الأمير
- sanaelyounoussi

- Jan 13
- 3 min read
الجغرافيا هي فعل الله في المكان وقدر من أقداره، والتاريخ هو تفاعل الانسان في الزمان والمكان ... أو هكذا قيل
في التاريخ مكان خاص لأسماء شخصيات ما إن تسمعها حتى تشعر كأنك أمام أساطير حية. شخصيات من فرط إعجابك بها تتمنى لو أنك وجدت في الفترة التي عاشوا فيها، ولو كذرة غبار لتكون شاهدا على ملاحم غيرت مسارات أمم.
في الجغرافيا، هناك مناطق أكثر حظا من غيرها، وقدرها أن كانت ملعبا لتاريخ عظيم، ومنطقتنا العربية كان واحدة من هذه الرقع التي لم تهدأ على مر العصور.. كيف تهدأ وفيها مهد الديانات وأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام.. القدس
لم ازر القدس يوما، لكني زرت أماكن عديدة كانت أحيانا تقودني للقدس.. تلك الحاضر الغائب في وجدان كل عربي ومسلم.. وكل مغربي خصوصا بعد ان اختار النظام الانضمام للدول الموقعة على ما يسمى "اتفاق أبراهام".
للمغاربة باب في القدس ليدخلوا منه للمسجد الأقصى..
وكان للمغاربة في عشرينات القرن الماضي حضور في كل الأحداث الهامة التي شهدتها ارض فلسطين. فكانوا أول من عايشوا إرهاصات الصراع بين صاحب الحق والمعتدي، عند حائط البراق المجاور لحارتهم في القدس والذي اعقبته أحداث ثورة البراق (1929)، ولم يتأخروا عن دعم المجاهد عز الدين القسام حين أطلق الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1935، وتشهد الوثائق التاريخية كيف تكاثفت القبائل في المغرب خصوصا قبائل الأمازيغ شمال المغرب (جبال الريف) لجمع الأموال من أجل دعم ثورة القسام.
أما عندما أوشك فتيل الحرب على الاشتعال، كان الأمير-كما تصفه كتب التاريخ- محمد بن عبد الكريم الخطابي في طليعة الذين نادوا بالجهاد ومقاومة الاحتلال فلبى النداء أهل الجزائر من خلال تأسيس الهيئة العليا لإعانة فلسطين سنة 1948، والجزائريون حينها لم يكونوا قد لملموا جراح المجازر التي ارتكبتها فرنسا عام 1945، حيث عملت اللجنة على جمع التبرعات لصالح فلسطين واستطاعوا رغم كل الصعوبات ان يجمعوا ملايين الفرنكات لدعم المقاتلين هناك.
إذا عدنا بالتاريخ قبل ثمانية قرون من هذه الفترة، ستجد ان الرابط بين المشرق والمغرب لم يكن جديدا، فأبناء شمال إفريقيا شكلوا ربع جيش صلاح الدين الأيوبي عندما حرر القدس وفلسطين في العام 1187، حتى أنه ولشدة بأسهم قال عنهم عند تحرير المسجد الأقصى: "اسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة"
وتكررت مشاركة المغاربة في النضال في فلسطين عام 1948، وقاتلوا بعدد تجاوز5000 مجاهد ضد المليشيات الصهيونية المحتلة، وتوالت المشاركات بمتطوعين فرديين التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية على مر العقود الماضية.. وكانت ثورة الريف التي قادها الأمير "محمد بن عبد الكريم الخطابي" ملهمة لأهل فلسطين في المضي نحو تحرير الأرض المقدسة.
للأمير مكانة خاصة في وجدان المغاربة، هو الثائر المجاهد المحرر الذي ألهم حروب تحرير أخرى كانت قد بدأت تتفجر ضد الحركات الاستعمارية في إفريقيا وأمريكا وآسيا، وقد وقفت بنفسي على واحدة من أهم التجارب التحررية في جنوب شرق آسيا التي خلدت اسمه كمجاهد فريد من نوعه.
للمغاربة باب في هانوي، يسمى كمثيله في القدس "باب المغاربة" ليخلد ذكرى الجنود المغاربة الذين ساهموا في حرب تحرير فيتنام.
يحكى أن "الأمير" الخطابي هو الذي جعل "هو تشي منه " يغادر باريس، التي كان ناشطا داخل الحركة الاشتراكيّة فيها، ليلتحق بحرب التحرير في فيتنام، وقد حصل ذلك حين قرا قصيدة للشاعر الفرنسي لويس أراغون بعنوان "الملهم"، وأعجب بشخصية الأمير وبحرب تحرير الريف الملهمة.
طلب "هو تشي منه" مساعدة الأمير ولم تتأخر، وبدأت الإذاعة الفيتنامية تبث برنامجا إذاعيا باللغتين العربية والأمازيغية، موجها للجنود المغاربة الذين استقدمتهم فرنسا من مستعمرتها المغرب ليحاربوا ضمن صفوفه، كانت غالبيتهم العظمى آتية من أوساط قروية فقيرة وغير متعلمة، لم يكونوا يدركون انهم يخوضون حربا ضد شعب مستعمر تماما مثلهم، لم تكن لديهم فكرة عن حروب التحرر التي تخوضها شعوب العالم الثالث، وحين بدأوا يفهمون، انقلبوا على الجيش الفرنسي، وهربوا بسلاحهم منضمين لقوات هو تشي منه حتى تحقق لهم النصر في معركة "ديان بيان فو" المصيرية عام 1954 التي انهزم فيها الجيش الفرنسي المدعوم بالناتو امام قوات كانت تحارب في أغلب الحيان بأقدام حافية .
حين قابلت أبناء هؤلاء الجنود المغاربة الأبطال في المغرب وفي فيتنام، وانا أصور فيلما وثائقيا عن قصتهم لم يكن معظم المغاربة يعرفون عنها الكثير وقادتني قصتهم لبطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي، كنت أفكر أننا كشعوب عربية كل ما نحتاجه هو قيادات مدركة أن للتاريخ دائما الكلمة العليا، وأن ديكتاتورية الجغرافيا لا ترحم من تخاذل في نصرة المعارك العادلة التي تخوضها الشعوب في سبيل الحرية والكرامة.. وكما قال الأمير الخطابي "الشكوى لا تغني ولو بكينا إلى قيام الساعة" وحدها الأفعال النابعة عن حب الأوطان الصادق تفعل ..و تلك أفعال "الأمراء"








Comments