top of page
Search

الليل و الضباب

  • Writer: sanaelyounoussi
    sanaelyounoussi
  • Jan 26
  • 3 min read

Updated: Jan 28


 خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في 7 ديسمبر 1941، أمر أدولف هتلر المارشال النازي هاينريش هيملر بإصدار توجيه إلى الجستابو، الشرطة السرية الألمانية. وجاء في التعليمات:

“قرر الفوهرر، بعد تفكير طويل ودقيق، أن التدابير المتخذة ضد أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الجيش الألماني في المناطق المحتلة يجب أن تتغير. يجب تنفيذ إجراءات فعالة وحاسمة لتحقيق هذا الهدف.”

 

كان هذا المرسوم، المعروف باسم “الليل والضباب”، يهدف إلى إسكات النشطاء المناهضين للنازية ومقاتلي المقاومة خلال الحرب. تم اعتقال السجناء السياسيين من جميع أنحاء ألمانيا وأوروبا المحتلة، بمن فيهم من عارضوا النازية أو قادوا حركات مقاومة في أوروبا الغربية، بشكل منهجي.

 

مثل هذا الأمر بداية حملة وحشية. نص المرسوم على أن التدابير الصارمة فقط، مثل عقوبة الإعدام، يمكن أن تردع مثل هؤلاء “المجرمين”. وبمجرد بدء العملية، اختفى السجناء دون أي أثر. حُرمت العائلات من أي معلومات عن مكان أحبائهم أو مصيرهم.

 

كان الهدف الرئيسي لـ“الليل والضباب” هو بث الخوف في نفوس سكان الأراضي المحتلة، مما يدفعهم إلى الاستسلام. نُقل السجناء سرًا إلى ألمانيا، حيث اختفت أسماؤهم من السجلات الرسمية. وعندما تم اكتشاف ملفات الشرطة السرية الألمانية عام 1945، لم تحتوي على أي تفاصيل حول مصائر السجناء أو أماكن دفنهم.

 

لاحقًا، أعلن المحكمة العسكرية في نورمبرغ أن “الليل والضباب” جريمة حرب. وُصفت بأنها انتهاك جسيم للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات لاهاي، وتعد واحدة من أكثر الأمثلة المروعة على حالات الاختفاء القسري في التاريخ الحديث

 

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ عصر جديد قدم معايير جديدة في العلاقات الدولية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التطورات، لا يزال مفهوم الاختفاء القسري حاضرًا، كما يتجلى في قصة الشاعر والناشط المصري عبدالرحمن يوسف. توضح قصته كيف يمكن للعلاقات الدولية المعاصرة أن تبدو متاهة، حيث تصبح العدالة والمساءلة بعيدة المنال.

 

عبدالرحمن يوسف، وهو

ree

مواطن مصري يحمل الجنسية التركية، سافر إلى سوريا قبل أن يتم اعتقاله في لبنان ثم ترحيله لاحقًا إلى الإمارات. حدثت هذه السلسلة من الأحداث رغم عدم وجود أي اتهامات أو أسس قانونية لاعتقاله. آخر اتصال معروف بعبدالرحمن كان عندما كان في مبنى الأمن العام في بيروت، ثم اختفى بعدها.

 

وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، يحدث الاختفاء القسري عندما يتم اختطاف أو سجن شخص من قبل دولة أو منظمة سياسية - أو بدعمها أو بموافقتها - ثم ترفض الكشف عن مصير أو مكان الشخص. هذه الممارسة تضع الضحية خارج حماية القانون

 

يوضح المحامي والكاتب القطري خليفة المحمود أن القانون الدولي يميز بين مصطلحين رئيسيين: “مطلوب” و”مجرم”.

الشخص “المطلوب” هو من وُجّهت له تهم لكنه لم يُحاكم بعد، وعادة ما يلجأ إلى دولة أخرى. تطالب الدولة المعنية بتسليمه للمحاكمة.

أما “المجرم” فهو من صدر بحقه حكم قضائي نهائي.

 

في حالة عبدالرحمن، لم يكن هناك أي أساس قانوني لتسليمه بموجب القانون المحلي أو الدولي. غياب الاتفاقيات الملزمة بين الدول المعنية يجعل الوضع أكثر غموضًا. وغالبًا ما تُدفع اتفاقيات التسليم بدوافع سياسية أو مصالح متبادلة، وليس بالضرورة التزامات قانونية.

علاوة على ذلك، تحظر المعايير الدولية عمومًا تسليم الأفراد بسبب جرائم سياسية أو بسيطة، أو في حال غياب مبدأ الجريمة المزدوجة (اعتراف الجريمة في كلتا الدولتين). ومع ذلك، تُتجاهل هذه المبادئ بشكل متزايد في القضايا ذات الدوافع السياسية.

ما حدث لعبدالرحمن يوسف – من اعتقاله على الحدود السورية-اللبنانية إلى اختفائه – يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. كان من المفترض أن يواجه هذا الحدث إدانة واسعة، ولكن الصمت المدوي حول قضيته ينبئ بمستقبل قاتم لحقوق الإنسان.

 

كما يذكرنا التاريخ، تركت “الليل والضباب” أثرًا لا يُمحى كسلاح للخوف والسيطرة. واليوم، يكشف غياب المساءلة في قضايا مشابهة حقيقة مزعجة: لا تزال حالات الاختفاء القسري أداة للقمع، تغلفها السرية، لإسكات المعارضة. يجب على العالم ألا يغض الطرف عن هذا الإرث المرعب .

 
 
 

Comments


 آراءكم و تعليقاتكم ما عليكم أمر

© 2023 by The Voice of Sanaa. All rights reserved.

bottom of page