top of page
Search

سهام الليل لا تخطئ

  • Writer: sanaelyounoussi
    sanaelyounoussi
  • Jan 14
  • 3 min read

أين العالم مما آلت إليه الأمور في اليمن؟و لماذا تراجع الاهتمام الدولي بالكارثة الانسانية في اليمن -حتى قبل السابع من أكتوبر-، و لم يعد لليمن مكان في التغطيات الإعلامية العربية و الدولية اللهم إلا فيما يتعلق بالهجمات الحوثية على سفن الشحن في البحر الأحمر ،و رد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بضربات جوية لا  نملك أي تفاصيل بخصوص دقتها و مدى إصابتها لأهدافها، و أغلب الظن أنها ضربات لا تؤثر كثيرا على قوة جماعة الحوثي العسكرية بقدر ما  تتسبب في زيادة وضع المدنيين اليمنيين تعقيدا و بؤسا.

دعنا من هذا السؤال إن كان يبدو بديهيا ، و قد أصبحنا نعرف أنه لا ضمير للعالم "الحر" ، بل هو منشغل بقضايا محورية بالنسبة إليه. و تعريف القضية المحورية هنا ، هو أي قضية تتعلق بأمن و وجود إسرائيل ، هذا الورم الخبيث الذي  زرعته بريطانيا في أرض لا تملكها عام 1917 , و لازال يتمدد في جسد "الأمة العربية" مرتديا قناع المحتل تارة ، و قناع الجار الصالح الذي يمد يده لجيرانه ممن اختاروا فتح أبوابهم لهم تارة أخرى. من الواضح أن الكارثة الانسانية في اليمن لم تعد تشغل الضمائر ، حتى الأمم المتحدة لم تعد تعرب عن قلقها هناك في هذه الأيام .

لا يمر يوم واحد لا أتذكر فيه اليمن، هذا البلد الساحر المبهر الذي خطف قلبي منذ زرته أول مرة في العام 2004 , و لم تتوقف له زياراتي  بعد هذا التاريخ إلا عام 2012، حين اخْتُطِفَت صنعاء ، التي كان يلقبني أهلي في اليمن باسمها،  "الصنعانية"،  لحبي الكبير لهذه المدينة التي كنت أشتاق لها حتى قبل أن أغادرها، و أُمَني نفسي بزيارة قريبة و أنا أردد "لا بد من صنعاء و إن طال السفر". 

طال السفر و باتت صنعاء تبدو بعيدة، أكثر مما كانت تبدو عليه من قبل، لكن تلفزيون قطر الذي يعرض منذ بداية الشهر الفضيل موسما جديدا لبرنامج "عمران" ، أخذنا إلى بلد ثورة الكرامة. ليقربنا مما يجري هناك. تبتدئ الحلقة الأولى و نبتدئ باكتشاف ما آلت إليه الأمور بعد 12 سنة من اليوم الذي خرج فيه اليمنيون حالمين بحياة كريمة و بغد أفضل، ليتحول الحلم إلى كابوس، و تصبح هذه الثورة مدخلا لأسوأ واقع سيعيشه الشعب اليمني منذ حكم الإمام، واقع حالك الظلام، عنوانه الفقر و الحاجة و الحرمان . 

"عمران" الذي يقدمه الصحفي سوار الذهب، الذي سبق و أن أبهرنا بحلقاته الطاغية الانسانية في فلسطين و سوريا في المواسم السابقة، أخذنا في هذا الموسم في رحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مؤلمة، رحلة تجسد أبيات شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني : 

ماذا أحدث عن صنعاء يا ابت؟ .. مليحة عاشقاها السل والجرب

ماتت بصندوق «وضاح» بلا ثمن .. ولم يمت في حشاها العشق والطرب

قضى النظام السابق على العديد من أوجه المجتمع المدنى، لكن الأحزاب السياسية في اليمن كانت فيما مضى حية و قادرة على مقاومة الفساد السياسي و الاداري نوعا ما، و كانت القبيلة قادرة على خلق مركز قوة مواز يضمن لأفراد الشعب أبسط حقوقهم ، لكن يبدو أن القبيلة و الحزب قد استقالا من هذه الوظيفة و تركا المواطن اليمني  في مواجهة واقعه الجديد ، فإما أن يموت جوعا أو عطشا أو يموت و هو على عتبات المستشفيات في انتظار العلاج، بينما نفت النخبة  نفسها طوعيا  بين مصر و تركيا و بعض دول أوروبا، تاركة الذين لا حول لهم و لا قوة يواجهون الفقر في بلد احتل  المرتبة 151 من بين 177 دولة على مؤشر التنمية البشرية  ليكون بذلك أفقر دولة عربية.

 

يأخذنا فريق البرنامج في جولة بين قرى اليمن، لنرى قصة قرية كاملة لا تبصر  ، و أخرى تموت عطشا ، و قرى تحفر فيها النساء الجبال بعد أن أصبحت الحياة فيها قطعة من الجحيم بسبب قطع الطرق المؤدية إليها . و بما أن العمران هو أيضا كما قال لنا ابن خلدون، هو أحوال الناس ومستوى تطورهم،  وطرق الحصول على وسائل العيش، فإن سوار الذهب لم يتورع في نقل أحوال شعب اليمن و ما فعلته فيه الحرب الدائرة فيه ،و التي لا أجد كلمة لوصفها أكثر دلالة من كلمة "الحرب العبثية". 

في إحدى حلقات "عمران" ، نرى طفلا اسمه "عبده"  في عمر العاشرة، طفل بلسان و قلب و أخلاق رجل في الثلاثين، يرعى  والدته المصابة بجلطة،  و  يتساءل كيف كانت ستكون حياته لو لم يكن والده ميتا، ربما لا يدري عبده أن حياته لم تكن لتتغير كثيرا، فالفقر يسرق طفولة من هم في سنه حتى لو كان لهم أهل. 

يشاء الله أن يضع في طريق عبده برنامج "عمران" ، ليصبح صراعه مع الفقر أقل شراسة . تصاب الأم التي استعادت جزءا من عافيتها بعد أن تكفل البرنامج التلفزيوني بها و أخذها إلى مدينة تعز للعلاج، تصاب بالذهول و تبكي من الفرحة وهي تخطو حذرة  باتجاه دكان بقالة بسيط يحمل اسمها و يصون قليلا من كرامتها و ابنها، فيقول لها سوار الذهب  أن تلك هي سهام الليل التي لا تخطئ ، و أن دعاءها قد لقي صداه عند الخالق عز و جل، و أن رب العالمين لا ينسى عباده ، فيالله نسألك لطفا بالشعب اليمني .


ree

 
 
 

Comments


 آراءكم و تعليقاتكم ما عليكم أمر

© 2023 by The Voice of Sanaa. All rights reserved.

bottom of page