top of page
Search

ضمائر للبيع

  • Writer: sanaelyounoussi
    sanaelyounoussi
  • Jan 13
  • 3 min read

كتب الروائي والكاتب الفرنسي مارك إدوارد ناب: تخيل أنك في صباح أحد الأيام، رغم أنك لم تفعل أي شيء، يطرق أحدهم بابك. إنه رجل يقول إنه كان يعيش في بيتك عندما لم يكن المبنى قد تم تشييده. يخبرك أن المالك قد وعده بذلك، وأن مجلس المدينة أعطاه الإذن "بالعودة". تخبره أن هذا غير وارد، لكنه كان قد استولى على غرفة النوم الاحتياطية بالفعل. في اليوم التالي، تتصل بجارك وتطلب منه مساعدتك في طرد الضيف من منزلك، لكن الأخير، الذي كان يبحث في ثلاجتك ويجلس على مائدة العشاء، يدافع عن نفسه. 

بعد فترة وجيزة، يصل أبناء عمومته وأبناء إخوته وأعمامه وخالاته ليحتلوا جميع غرف النوم، فتضطر زوجتك وأطفالك إلى مغادرة الشقة والبحث عن ملجأ غير بعيد. 

جيرانك جميعهم إلى جانبك وضيفك الذي يشعر بعدم الارتياح، يتمكن من استمالة البواب إلى جانبه والاستيلاء على المبنى بأكمله، من الأقبية إلى السطح، حتى يشعر بأمان أكبر. 

أنت تغضب، لكن ضيفك أقوى منك. يحبسك في الحمام، ولا يطعمك أبدًا، ولا يسمح لك بالخروج أبدًا. ومن وراء الباب، يخبرك وهو يصرخ أنه حصل على دعم الشركة التي تدير المبنى. وبعد فترة، تشعر بالغضب الشديد لدرجة أنك أشعلت النار في الحمام. يأتي رجال الإطفاء لإخماد الحريق الذي دمر جزءًا من الشقة وقتل بعض أفراد عائلة ضيفك. عندما يقوم رجال الإطفاء بإخراج جسدك المتفحم على نقالة، يبصق ضيفك عليه ويصفك بالإرهابي ...

تخيل أن من يصف المأساة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني بهذه الدقة وبهذه الكلمات - التي فيها الكثير من العدل والإنصاف في حق جيل فلسطينيي النكبة والشتات الذين هجروا من بيوتهم قسرا – من يصفها ليس فلسطينيا وليس عربيا ولا مسلما، هو قبل أن يكون أي شيء آخر، إنسان حكم بوصلته الأخلاقية التي قادته إلى ان ما حصل في فلسطين عام 1948 هو أكبر عملية سرقة حصلت في التاريخ، حين دخل الصهاينة أرض فلسطين وأخرجوا أهلها من بيوتهم دون وجه حق.

رواية النكبة والتهجير في فلسطين على عكس أحداث تاريخية أخرى في تاريخنا المعاصر، من أكثر القصص التي تعرضت للتحريف والمغالطات من أجل خدمة الاحتلال الصهيوني الذي بنى كل روايته على الأكاذيب، وهكذا كان الحال منذ ما يزيد عن سبعة عقود، إلا أن تبني رواية الاحتلال كان وسيظل فعلا شاذا خصوصا، وأننا شاهدنا كيف تبنى جيل كامل من المؤرخين الإسرائيليين، أطلق عليهم في نهاية الثمانينات مع بداية ظهورهم، اسم "المؤرخين الإسرائيليين الجدد"، فما بالك لو تبنى عربي وجهة نظر الاحتلال؟

هذا الفعل الشاذ أصبح له اسم، "الصهاينة الجدد"، مجموعة من كتاب وصحفيين وشخصيات عربية تستميت في الدفاع عن بشاعات الدفاع الصهيوني، بل وتجد مبررات لكل فعل إجرامي تقوم به.  قبل الخوض في دوافع هذه الفئة التي تعرف أيضا باسم الصهاينة العرب، من المهم جدا أن نعرف متى بالضبط بدأت بالظهور بيننا وأصبح لها صوت و ضمائر للبيع.

قبل أكثر من ربع قرن، تنبأ الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري بالمرحلة التي قد يصبح فيها العربي والمسلم "صهيونيا وظيفيا" يقوم بالوظائف ذاتها التي كان يقوم بها الإسرائيلي اليهودي الصهيوني.

في فيديو عاد للظهور مجددا وتداولته آلاف الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي نرى الدكتور المسيري يقول: " أنا اتنبأ بأن الدولة اليهودية، ستقلل من ديباجتها اليهودية (...) من الآن وصاعدا سيأتي لنا صهيوني يحمل حقيبة تاجر-وليس لع علاقة بنجمة داوود يريد فقط ان يتاجر، بل أقول أكثر من ذلك، هناك يهود ليسوا يهودا بل مسلمين، ويقومون بدور اليهودي وسيمثلون إسرائيل خير تمثيل (...) سيأتي الصهيوني الجديد أو ما أسميه الصهيوني الوظيفي سيأتي ويصلي معنا العشاء في المسجد".

طبعا لم يتأخر هذا الزمن، وها هم الصهاينة العرب يملؤون المكان، ليس فقط منذ طوفان الأقصى ولو ان عملية السابع من أكتوبر جعلتهم يصرخون بصوت أعلى، إلا أن ظهورهم الحقيقي بدأ يصبح ملموسا واكتسبوا جرأة أكبر في الجهر بمواقفهم مع بدء توقيع اتفاقيات ابراهام عام قبل أربع سنوات تقريبا، حيث يتعالى الصراخ كلما احتدمت المواجهة بين المقاومة والاحتلال، وكلما شعر محور التطبيع أن عليه ان يواجه التعاطف المتزايد مع حماس بحملة تشويه للمقاومة بل للشعب الفلسطيني وعدالة قضيته.

في نهاية ثمانينيات القرن الماضي حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان من النادر أن يرتفع أي صوت خارج صوت الإجماع العربي، ومع أن الأنظمة العربية كانت ولاتزال تقف مكان المتفرج الذي لا حول له ولا قوة، إلا انها لم تكن تصادر على الأقل حق الشعوب في الخروج إلى الشوارع ولم تكن تقف وراء أقلام مأجورة وشخصيات تقتات على خلق الصدمة بمواقف ضد الفطرة الإنسانية السليمة من خلال تأييدها لقتل وتشريد المدنيين.

حين قتل المحتل الإسرائيلي الطفل محمد الدرة على مرآى ومسمع العالم، لم يخرج علينا أحد يتهم والده بأنه يتاجر بدماء ابنه ولم يتحفنا أحد بنظرية استعمال الاطفال كدروع بشرية من أجل تحقيق أهداف سياسية، ولم يتهم أحد أطفال الحجارة بتهمة الإرهاب.. ربما كانت البوصلة الأخلاقية عندنا كعرب أكثر ثباتا وربما، لم تكن بعد قد ظهرت فئة التاجر الذي يصلي العشاء مع المسلمين ويقيم الطقوس التلمودية صباحا مع اليهود.

 


ree

 
 
 

Comments


 آراءكم و تعليقاتكم ما عليكم أمر

© 2023 by The Voice of Sanaa. All rights reserved.

bottom of page